
في أجواء مفعمة بالسكون والخشوع، ومع حلول العشر الأواخر من رمضان، توافد نحو 4000 معتكف ومعتكفة من 120 دولة إلى المسجد النبوي، ليعيشوا لحظات روحانية لا تتكرر، وسط أجواء إيمانية تفيض بالسكينة.
المشهد في أروقة المسجد كان استثنائيًا، حيث استقرت قلوب العابدين في الزوايا المخصصة لهم، يتنقلون بين الصلاة والتلاوة والتأمل، بعيدًا عن صخب الحياة. أما التنظيم، فقد كان على مستوى عالٍ من الدقة، إذ تم تخصيص أماكن محددة لهم؛ حيث تم توجيه المعتكفين إلى السطح الغربي عبر السلالم (6) و(10)، فيما استقبل القسم الشمالي الشرقي المعتكفات من خلال الأبواب (24) و(25 أ).
ولأن راحة المعتكفين تأتي في مقدمة الأولويات، أعدت الهيئة العامة للعناية بشؤون المسجد الحرام والمسجد النبوي خدمات متكاملة تضمن لهم بيئة مثالية للتفرغ للعبادة. بدايةً من مكتب خدمات المعتكفين الذي ييسر احتياجاتهم، مرورًا بخزائن الأمتعة، ووصولًا إلى العيادات الطبية والإسعافات الأولية التي تقف على أتم الاستعداد لأي طارئ. ولم تغفل الهيئة توفير دروس علمية تعمّق فهمهم للدين، فضلًا عن خدمات الترجمة التي تكسر حاجز اللغة بين المعتكفين من مختلف الدول.
أما الجانب المعيشي، فقد خُصّصت وجبات متكاملة من الفطور إلى السحور، مع شواحن للأجهزة النقالة تضمن بقاءهم متصلين بالعالم الخارجي عند الحاجة. ولمسة إضافية زادت من تميز التجربة، تمثلت في حقيبة خاصة لكل معتكف تحتوي على أدوات العناية الشخصية، إلى جانب أسورة ذكية تسهّل لهم الدخول والخروج والتنقل بحرية داخل المواقع المخصصة.
بين نفحات الإيمان والخدمات المتكاملة، يعيش المعتكفون تجربة روحانية متكاملة، حيث تتلاشى مشاغل الدنيا، ويصفو القلب ليخوض رحلة من السكينة والطمأنينة، في بقعة اختصها الله بأن تكون من أحب الأماكن إليه.
ولم تكن هذه التجربة الفريدة إلا ثمرة الجهود الكبيرة التي تبذلها المملكة العربية السعودية في خدمة الحرمين الشريفين، حيث سخرت كل إمكاناتها لضمان راحة الزوار والمصلين والمعتكفين. فمن توسعات الحرمين التي استوعبت ملايين المصلين، إلى مشاريع البنية التحتية المتطورة، والخدمات الذكية التي تسهّل الوصول والعبادة، تواصل المملكة ريادتها في تقديم أرقى الخدمات لضيوف الرحمن، مستندة إلى رؤية طموحة تعزز مكانة الحرمين كقبلة للمسلمين من كل أنحاء العالم
بسّام عوده _ شؤون عربية