الدبلوماسيةالعالمالعالم العربي

الدوحة ومجلس التعاون… الخليج يختار طريق العقل

بسّام عودة _ شؤون عربية 

في لحظة دقيقة من عمر المنطقة، حيث تتقاطع النيران مع التحالفات وتتشابك المصالح مع المخاوف، ينعقد في العاصمة القطرية الدوحة الاجتماع الاستثنائي لوزراء خارجية دول مجلس التعاون الخليجي، محاطًا بأسئلة كبرى تتجاوز الجغرافيا، وتمتد إلى جوهر الصراع القادم: من يقود المنطقة؟ ومن يصوغ مستقبلها؟

لقد كشفت الحرب التي شنتها إسرائيل على إيران، بمساندة أمريكية  وبدعم بريطاني، عن حجم المخاطر المحدقة بالجوار الخليجي. قُصفت منشآت، اغتيل علماء، واخترقت مراكز قرار… في ايران ، وكانت الأحداث  قد توحي بفوضى عارمة تعصف بالمنطقة ، لكن الحلم النووي الإيراني لم ينكسر. والرد الإيراني جاء قاسيًا قدر المتاح امام أعين الاقمار الصناعية ، وقصفت العمق الاسرائيلي ، ثم طال قواعد أمريكية في قلب المنطقة لا سيما في قطر، محدثًا صدمة استراتيجية ما زالت ارتداداتها تتكشف.

هنا، كان لا بد لدول الخليج أن تخرج من موقع المتلقي، وأن تدخل في دور الفاعل المؤثر. وكان لا بد من سؤال صريح: هل نستمر أسرى معادلة الصراع المفتوح؟ أم نرسم معادلة التوازن، من موقع المبادرة والسيادة؟

الاجتماع الاستثنائي في الدوحة ليس لحظة عابرة، بل هو تتويج لتحول متدرج في العقل الخليجي السياسي، الذي بات يدرك أن المواجهة المفتوحة لم تعد تجلب الأمن، وأن الحوار مع إيران – مهما كانت التحفظات – أضمن من البقاء في حالة استنزاف مزمن.

بلغة أوضح، يبدو أن مجلس التعاون يتجه نحو تبني مقاربة جديدة أكثر نضجًا وواقعية، عنوانها: بناء علاقة متوازنة مع إيران، قوامها الاقتصاد، والتفاهمات الأمنية، والمصالح المتبادلة. لا من باب التبعية، ولا من باب التنازل، بل من منطلق أن استقرار الخليج يبدأ من منع تحويله إلى ساحة حرب بالوكالة.

وقد لا يتوقف الأمر عند إيران. فالمقاربة الجديدة تحمل في طياتها إمكانية بناء تحالف إسلامي أوسع، يضع حداً لمحاولات إسرائيل المتكررة للتطبيع القسري، والتغلغل في النسيج العربي من بوابات الفتنة والطائفية.

اليوم، الخليج لا يختار بين طهران وتل أبيب، بل يختار بين أن لا  يكون رهينة للآخرين، أو أن يكون فاعلاً يحمي مصالحه ويؤسس لأمن جماعي جديد، تُرسم خطوطه من داخل العواصم الخليجية لا من خارجها.

إنه خيار العقل، في لحظة يغيب فيها العقل عن كثير من خرائط القوة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


زر الذهاب إلى الأعلى
Skip to content