اعلامالعالم العربيتونسغير مصنف

اتحاد إذاعات الدول العربية… حين يتحوّل الإعلام إلى بيت عربي جامع

بسام عوده _ شؤون عربية 

حين يُسدل الستار على مهرجان اتحاد إذاعات الدول العربية، لا ينتهي الحدث، بل تبدأ الذاكرة في الكتابة. فالمسألة لم تكن مجرد مهرجان فني أو إعلامي عابر، بل كانت لحظة اكتمال مشهدٍ عربيّ نابض بالانتماء، عنوانه: الكلمة والصورة والبهجة والتطور والاستثمار.

الاتحاد، ذلك الكيان العريق، الذي تأسس على قاعدة الانتماء لا الهيكل، وعلى رؤية التكامل لا التنافس، بات اليوم أحد أبرز المنصّات الإعلامية العربية التي لا تكتفي بالبثّ بل تسهم في البناء. ورغم صفته الرسمية، ترفض ان تكون خلف الابواب والمكاتب المغلقة، بل فتح الأبواب والنوافذ على فضاءات الفن والثقافة والتقنية، ليقدّم نموذجًا مغايرًا لما يمكن أن تكون عليه المؤسسات المشتركة التي تمثل دول راهنت على قصة نجاح . 

ففي هذا الاتحاد، لا فواصل بين المدير العام والمستشار أو الموظف، بل فريقٌ واحدٌ يُنجز أجمل الأعمال بصمت، ويبني من دون ضجيج، حيث العمل هو اللغة الوحيدة المتداولة، والانتماء هو القاسم المشترك في كل مهمة وكل لقاء.

ولا تملك وأنت تسير في أروقة المهرجان، بكل  اجنحته هنا وهناك إلا أن تشعر أنك داخل “خيمة عربية كبيرة”، فيها الفرح والأهازيج، الفن الراقي، الإعلام المهني، والإنتاج المشترك، والأهم من ذلك: الإحساس بالبيت. بيتٌ يتّسع للجميع، ويتقاطع فيه الحنين بالمستقبل، وتلتقي فيه إذاعات  وتلفزيونات وهيئات من مشرق العرب إلى مغربهم، ليس فقط لتبادل البرامج، بل لتبادل الرؤية والرسالة.

تونس، التي احتضنت هذه الدورة، كانت أكثر من مكان للضيافة. كانت شريكًا في المعنى، وموطنًا للدفء الثقافي، ومرآةً تعكس وجهًا عربيًا لا يزال مؤمنًا بأن الجمال رسالة، وأن الفن في خدمة الهوية لا النقيض ، لقد أفاض علينا الياسمين  ، لمسنا التراث  ورائحة الطين . 

وفي قلب كل هذا الإنجاز، لا بد من التوقف عند اسم المدير العام المهندس عبد الرحيم سليمان، الذي قدّم مثالًا على القيادة الصامتة الفاعلة، فلم يكن مهندسًا في تخصصه فحسب، بل مهندسًا في بناء التوازنات، وفي صناعة صورة اتحاد لا يستعرض إنجازاته، بل يكتفي بأن تُشاهد وتُحسّ وتُثمر.

أما قسم الإعلام في الاتحاد، فقدّم بدوره بعدًا احترافيًا عميقًا. لغة بصرية مُختزلة، رسائل مهنية بعيدة عن الاستعراض، وأسلوب يليق بالمضمون العربي المتجدد. هكذا يكون الإعلام: جسرًا بين المعنى والجمهور، لا مرآةً للذات.

ولعل ما يُحسب للاتحاد في دوراته الأخيرة هو إدراكه لأهمية الاستثمار الإعلامي في زمن التحول الرقمي، حيث لم يكتفِ بالوظيفة التقليدية، بل أدرك أن الإعلام صار اقتصادًا، ومجالًا للابتكار، وأن الشراكات مع المنصات الرقمية وشركات الإنتاج لم تعد خيارًا بل ضرورة. وهو ما يفتح المجال أمام جيل جديد من الإعلاميين العرب الذين ينتمون إلى الصورة ولكن يحملون روح الفكرة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


زر الذهاب إلى الأعلى
Skip to content