
كتب : بسّام عوده شؤون عربية
تشهد المنطقة العربية تغيرات سياسية متسارعة تتقاطع مع التحولات الجارية في لبنان، الذي يُعتبر من أبرز ساحات النفوذ الإيراني في المنطقة. مع انتخاب رئيس جديد وتكليف نواف سلام بتشكيل الحكومة، تلوح ملامح إعادة ترتيب للمشهد السياسي الداخلي، وسط ضغوط محلية ودولية لتقليص هيمنة القوى التقليدية المدعومة من طهران، وعلى رأسها حزب الله. هذه التغيرات تأتي بالتوازي مع تراجع دور إيران الإقليمي في سوريا والعراق، ما يشير إلى مرحلة جديدة في ميزان القوى الإقليمي.
انتخاب رئيس جديد للبنان يُعد إنجازًا بعد أشهر طويلة من الفراغ الرئاسي. الاختيار التوافقي يعكس ضغوطًا داخلية وخارجية لتخفيف حدة الانقسامات السياسية وفتح الباب أمام إصلاحات ضرورية.
دوليًا، يبدو أن فرنسا لعبت دورًا محوريًا في تقريب وجهات النظر بين الأطراف، مع دعم من السعودية والولايات المتحدة. هذه الخطوة تُفسر كرغبة في كبح النفوذ الإيراني في لبنان وتعزيز الاستقرار السياسي في البلاد.
تكليف نواف سلام رغم العقبات
تكليف نواف سلام، المعروف باستقلاليته، يحمل أملًا في تشكيل حكومة إصلاحية، لكنه يواجه عقبات كبيرة من القوى التقليدية، خاصة حزب الله وحلفاءه، الذين قد يسعون لفرض شروطهم في تشكيل الحكومة لضمان استمرار نفوذهم.
تراجع دور حزب الله: إعادة تموضع أم ضعف؟
على المستوى السياسي: بات الحزب عاجزًا عن فرض خياراته السياسية كما في السابق، مع ظهور مقاومة داخلية وضغوط دولية قوية.
على المستوى الإقليمي: انشغال إيران بأزماتها الداخلية والتطورات في سوريا والعراق قلل من قدرتها على دعم حلفائها بشكل مباشر.
التحدي الأمني: رغم ذلك، لا يزال حزب الله يحتفظ بنفوذه العسكري، ما يجعله لاعبًا رئيسيًا في أي تسوية داخلية، وإن كان دوره السياسي يتراجع.
التحولات الإقليمية: تأثيرها على لبنان
التغيرات السياسية في المنطقة، خاصة في سوريا والعراق، تشير إلى تقليص تدريجي للنفوذ الإيراني:
في سوريا: الانفتاح العربي نحو دمشق يعزز استقلالية النظام السوري تدريجيًا عن طهران.
في العراق: تصاعد المطالب الشعبية بإنهاء التبعية لإيران يُضعف قدرة طهران على التحكم بالمشهد السياسي.
هذه التحولات تضعف قدرة إيران على المناورة في لبنان، مما يُفسح المجال لإعادة التوازن السياسي في البلاد.
تحديات الحكومة الجديدة: اختبار التغيير
نجاح نواف سلام في تشكيل حكومة مستقلة يعتمد على تجاوزه لعقبات القوى التقليدية ودعم المجتمع الدولي. هناك احتمالان رئيسيان:
حكومة إصلاحية: قد تنجح في تحقيق بعض الإصلاحات المطلوبة دوليًا إذا حصلت على دعم سياسي واقتصادي محلي ودولي.
عودة العرقلة: إذا شعرت القوى التقليدية، مثل حزب الله، بأن الحكومة تهدد نفوذها، فقد تلجأ إلى تعطيل عملها سياسيًا أو حتى أمنيًا.
الوضع الاقتصادي والشعبي: عامل ضغط مستمر
الأزمة الاقتصادية الخانقة تجعل الشارع اللبناني أكثر حساسية تجاه أي تعطيل سياسي. استمرار الانهيار المالي دون خطوات إصلاحية قد يؤدي إلى تصاعد الاحتقان الشعبي، مما يضع كافة الأطراف السياسية تحت ضغط كبير لإيجاد حلول سريعة.
لبنان اليوم أمام فرصة تاريخية لإعادة التوازن السياسي، وسط تراجع نسبي للنفوذ الإيراني في المنطقة. تكليف نواف سلام قد يمثل بداية لهذا التحول، لكن النجاح يتطلب تجاوز العقبات الداخلية والتحديات الإقليمية.
وفي ظل هذه المعطيات، يبقى السؤال: هل يمكن للبنان أن ينطلق نحو مرحلة جديدة من الإصلاح والاستقرار بعيدًا عن هيمنة القوى التقليدية، أم أن البلاد ستبقى رهينة التجاذبات الإقليمية والدولية؟