اعلامالعالم العربيتونس

كروان الإذاعة التونسية… هرمٌ من مصر في ذاكرة تونس

كتب : بسّام عوده 

في وداع عادل يوسف: صوتٌ لا يُنسى، ومسيرة كفاح صنعت مجدًا إذاعيًا بين ضفّتي النيل وقرطاج

حين نتحدث عن تاريخ الإذاعة التونسية، لا يمكن أن يمرّ الحديث دون التوقّف عند اسمٍ صنع لنفسه مكانًا في ذاكرة التونسيين، واحتلّ مساحة وجدانية عميقة في قلوب المستمعين لعقود. إنه الصوت الإذاعي الجهوري عادل يوسف أو كما كان اسمه الحقيقي: عادل عوض ذلك الرجل الذي جاء من مصر، لكنه انتمى بكلّ ما فيه إلى تونس، حتى صار جزءًا من ملامحها الصوتية، وصورة من صورها الرمضانية.

نشأ عادل عوض يتيمًا، وبدأ العمل منذ طفولته المبكرة، طفلًا صغيرًا يحمل همّ الحياة على كتفيه، ويشق طريقه نحو الميكروفون بإصرارٍ وكبرياء. وما إن بلغ عتبة الشباب، حتى صار الصوت الأبرز في الإذاعة التونسية، حيث وُلد من رحم المعاناة، وبنى مجده الإعلامي من العدم.

وحده عادل يوسف، استطاع أن يجعل من برنامجه اليومي “تحيّة الغروب” خلال شهر رمضان، تقليدًا إذاعيًا لا يُشبه غيره. بصوته الحنون والجهوري، كان يطلّ على المستمعين لحظة الإفطار، فيمنحهم سكينةً تُشبه الدعاء، وشعورًا يشبه دفء الأسرة. لأكثر من أربعين عامًا، كان ذلك الصوت طقسًا رمضانيًا مقدسًا في بيوت التونسيين.

ولم تكن مسيرته المهنية مجرّد نجاح فردي، بل صداقة حقيقية ربطته بالأسطورة الحكاواتية التونسية عبد العزيز العروي، حيث كانا معًا يشكّلان ثنائيًا فريدًا بين السرد والإلقاء، بين الأصالة والتجديد. جمعت بينهما موهبة حقيقية، ومحبة كبيرة، وذكريات لا تزال تروى خلف الميكروفون.

كان عادل يوسف يتقاضى أعلى أجر إذاعي في تونس خلال سنوات عطائه، لكنه مات ولم يترك فلسًا واحدًا. رجل عاش ببساطة، وترك الدنيا كما دخلها: صادقًا، نقيًا، مخلصًا. لم تغيّره الشهرة، ولم يُغره المال. عاش للإذاعة، ومات وفيًّا لها، صوته كان رسالته، وأخلاقه كانت كنزه الحقيقي.

في قلبه ظلّ حنين كبير لأمه التي لم يراها قط. ظلّ ذلك الغياب يرافقه، يتسرّب إلى نبرة صوته، ويمنحه تلك الشفافية التي ميّزته عن غيره. كان إذاعيًا فيه حياء، وفنّانًا فيه وفاء، وعربيًا يحمل في قلبه همّ الأمة ووحدة الإنسان.

واليوم، يرحل كروان الإذاعة التونسية. يغيب الجسد، لكن الصوت باقٍ في الذاكرة والأرشيف والوجدان. رحل عادل يوسف، لكنه ترك وراءه ما لا يرحل: إرثًا إذاعيًا عابرًا للحدود، يربط بين ضفّتي النيل وقرطاج، بين حنين مصر ووفاء تونس.

وداعًا يا عادل، يا من كنت لنا تحيّة غروب… وصوتًا لا يُنسى

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


زر الذهاب إلى الأعلى
Skip to content