
ليست زيارة وزير الشؤون الخارجية والهجرة والتونسيين بالخارج، محمد علي النفطي، إلى الدوحة مجرّد محطة بروتوكولية عابرة ضمن جدول العلاقات الثنائية بين تونس وقطر، بل هي – بكل المقاييس – خطوة مدروسة على طريق بناء شراكة استراتيجية جديدة بين بلدين يجمع بينهما التاريخ والثقة المتبادلة وتلاقي الرؤى في قضايا مصيرية عربية.
في زمن تشهد فيه العلاقات العربية تفككًا، والمواقف انقسامًا، والمصالح تضاربًا، تأتي هذه الزيارة لتؤكد أن التقارب السياسي ما يزال ممكنًا حين يتقدّمه منطق المصلحة المشتركة والكرامة الوطنية. وقد جاء البيان المشترك الصادر عقب اللقاء بين الوزير النفطي ورئيس الوزراء القطري الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني ليكشف عن أفق أرحب في العلاقات الثنائية، يترجم الإرادة السياسية للبلدين في الانتقال من مجرّد التنسيق إلى بناء مشاريع متكاملة في الاقتصاد والتعليم والصحة والتنمية.
اللافت في البيان ليس فقط تأكيد العزم على بدء مفاوضات لاتفاقية شراكة اقتصادية، بل الإصرار على الانفتاح في ملفات حيوية مثل الأمن الغذائي والتعليم العالي والإعلام، وهي مجالات تمسّ صميم احتياجات الشعبين وتدل على أن التعاون لم يعد مقتصرًا على تبادل الزيارات، بل يسير نحو صيغ مستدامة ومؤسساتية.
أكثر من ذلك، مثّل موقف البلدين من القضية الفلسطينية علامة فارقة، حيث عبّرا بصراحة غير مسبوقة عن رفضهما لجرائم التهجير والإبادة التي يقترفها الاحتلال الإسرائيلي، وهو موقف يكشف عن ثبات أخلاقي وسياسي في زمن تتغيّر فيه المواقف بحسب مصالح ظرفية. وقد جاءت الإشادة التونسية بالدور القطري الداعم للشعب الفلسطيني لتؤكد أن الدبلوماسية العربية ما زالت تملك أوراق قوة حين توحّد بوصلتها الأخلاقية.
الزيارة، بما حملته من رسائل، لا يمكن عزلها عن السياق العربي الراهن، فهي تعكس محاولة جادة لتشكيل محور عقلاني متوازن، قادر على التفاعل مع القضايا الإقليمية بروح السيادة والتضامن والبراغماتية. إنه توجه لا يستند إلى الشعارات، بل إلى رؤية تنموية فعلية تنبع من حاجة الشعوب قبل مصالح الحكومات.
وفي المحصلة، فإن ما جرى في الدوحة ليس فقط لقاءً دبلوماسيًا بين وزيرين، بل هو بناء هادئ لتحالف عربي جديد، يتجاوز الخلافات، ويعيد تعريف العلاقات بين البلدان العربية ، ومن وجهة نظر اخرى. فان القواسم المشتركة بين البلدين تترجم بناء العلاقات الثنائية على أساس المصالح المشتركة وتنمية التعاون ودعم تونس وفتح ابواب الاستثمار وبناء شراكات اقتصادية جديدة .

بسّام عوده _ شؤون عربية



