اعلامالدبلوماسيةتونس

خليل الحية والتجاهل المتعمد: حقد شخصي أم غباء سياسي؟

في مشهد يثير الاستغراب ويكشف عن أزمة في النضج السياسي، خرج القيادي في حركة حماس، خليل الحية، ليشكر الدول التي قدمت الدعم لأهل غزة خلال الحرب الأخيرة، لكنه تعمد تجاهل الأردن، الذي كان في طليعة الدول التي هبّت لنصرة القطاع، قيادةً وشعبًا، عبر دعم إنساني وعسكري ودبلوماسي لم يتوقف يومًا. هذا التجاهل لم يكن مجرد سهو أو خطأ عابر، بل موقف يعكس ضيق الأفق والتنكر للجميل، ويطرح تساؤلات جدية حول مدى إدراك بعض القيادات لحقيقة موازين القوى والمصالح العليا للقضية الفلسطينية.

الأردندعم لا ينقطع ومسؤولية لا تخضع للمزايدات

لم يكن الدور الأردني في دعم غزة وليد لحظة عابرة أو ظرف استثنائي، بل هو امتداد لموقف ثابت ومتجذر، جعل من القضية الفلسطينية محور السياسة الأردنية على مدار العقود. منذ اليوم الأول للحرب، كانت القيادة الأردنية، وعلى رأسها الملك عبد الله الثاني، تتحرك على جميع الأصعدة، ولم تكتفِ بإدانة العدوان الإسرائيلي، بل بادرت بإطلاق جسر جوي من المساعدات الإنسانية والطبية، إلى جانب استمرار تشغيل المستشفيات الميدانية الأردنية، التي بقيت الملاذ الأول لعلاج الجرحى والمصابين.

لم يأتِ هذا التحرك بدافع البحث عن مكاسب سياسية أو دعاية إعلامية، بل هو جزء من التزام أردني راسخ بدعم الأشقاء الفلسطينيين، نابع من علاقات تاريخية وثيقة، ومن رؤية استراتيجية تدرك أن استقرار فلسطين وأمنها هو جزء لا يتجزأ من أمن الأردن والمنطقة.

قيادة مسؤولةودبلوماسية تدافع عن اصحاب الحق. واثبات الاخوة الحقة 

على عكس المواقف الانفعالية والمزايدات السياسية من خلال حديث خليل الحية ، فإن الأردن يدير علاقته بالقضية الفلسطينية بروح المسؤولية والالتزام التاريخي. الملك عبد الله الثاني لم يتوقف عن استخدام كل أدواته السياسية والدبلوماسية للدفاع عن حقوق الفلسطينيين، سواء في الأمم المتحدة، أو عبر الضغط على القوى الدولية لوقف العدوان الإسرائيلي، أو من خلال التنسيق المستمر مع الدول العربية لبلورة موقف مشترك داعم لفلسطين.

لكن، وبدلًا من الاعتراف بهذا الدور المحوري، اختار خليل الحية أن يتجاهل الجهود الأردنية، في موقف لا يمكن وصفه إلا بالضيق السياسي وقصر النظر الاستراتيجي. فهل أصبحت بعض القيادات الفلسطينية تتعامل مع المواقف الدولية بناءً على مشاعر شخصية وحسابات فصائلية ضيقة، بدلًا من تغليب المصلحة الوطنية العليا؟

إذا كان خليل الحية يظن أن تجاهل الدور الأردني يمكن أن يمحو حقائق التاريخ، فهو واهم. الأردن لم يكن يومًا بحاجة إلى شهادة من أحد، ولم يسعَ يومًا إلى مجاملة سياسية في موقفه من القضية الفلسطينية. لكن ما يثير التساؤل، هو أن يأتي هذا التجاهل من قيادي في حماس، وهي الحركة التي تعرف جيدًا أن الدعم الأردني لغزة لم ينقطع يومًا، وأن العلاقة بين الأردن وفلسطين ليست خاضعة لحسابات اللحظة أو المزايدات السياسية.

ما فعله الحية لا يخدم إلا أعداء القضية الفلسطينية، ولا يضر الأردن في شيء، بل يضر أولًا وأخيرًا  صاحب الموقف الشاذ ، الذي تعامل  مع السياسة كأنها تصفية حسابات، بدلًا من أن تكون أداة لتحقيق مصالح عليا .

الأردن أكبر من الحية وأمثاله

لقد أثبت الأردن، قيادةً وشعبًا، أنه الأكثر صدقًا في دعمه لفلسطين، ليس بالشعارات أو التصريحات الإعلامية، بل بالعمل الميداني الفعلي. وإذا كان الحية يعتقد أن بإمكانه إعادة كتابة التاريخ عبر تجاهل دور الأردن، فإنه لا يسيء إلا لنفسه .

الأردن باقٍ في مواقفه، يدعم فلسطين بلا مِنّة، ويقف مع أهل غزة بلا انتظار لشكر، بينما تبقى المواقف  لأصحاب العقول الصغيرة، الذين يظنون أن السياسة تُدار بالحقد والإنكار، بدلًا من الاعتراف بالحقائق. أما التاريخ، فسيحفظ للأردن مواقفه المشرفة، وسيترك الآخرين لمصيرهم المحتوم في هامش المشهد السياسي.

بسّام عياصرة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


زر الذهاب إلى الأعلى
Skip to content