الدبلوماسيةالعالم العربيتونس

 تونس والجزائر بين ضرورات التنسيق وتحديات الإقليم



كتب : بسّام عوده
لم تكن زيارة وزير الشؤون الخارجية الجزائري أحمد عطّاف إلى تونس مجرّد محطة دبلوماسية تقليدية، بل جاءت محمّلة برسائل سياسية واضحة في توقيت بالغ الحساسية. فالعالم يمور بالأزمات، والإقليم يشتعل بالتوترات، والمنطقة المغاربية في مفترق طرق، بينما تسعى تونس والجزائر إلى ترسيخ تقاليد التشاور والتنسيق، لا باعتباره خيارًا، بل ضرورة وجودية، وفق التعبير الصريح للوزير الجزائري.

تصريحات عطّاف عقب لقائه رئيس الجمهورية قيس سعيّد لم تكن بروتوكولية أو فضفاضة، بل انطلقت من تشخيص واقعي للمتغيرات الجيوسياسية التي تضع الدول المتوسطة والصغرى، مثل تونس والجزائر، أمام امتحانات معقدة. فـ”التلاشي المقلق للقوانين الدولية”، و”تحييد دور الأمم المتحدة”، و”السباق المحموم للإجهاز على القضية الفلسطينية”، كلّها مؤشرات تدفع الدولتين الجارتين إلى تعزيز وحدة موقفهما، والتفكير في أدوات فعل إقليمي جديدة تعوّض الغياب العربي الجماعي.

الوزير عطّاف لم يُخفِ قلقه من المشهد القاري، لاسيّما في منطقة الساحل، حيث تتقاطع الجماعات المسلحة مع مصالح قوى أجنبية، في ظل هشاشة سياسية وأمنية. وهنا، تبدو الجزائر، التي طالما اعتبرت العمق الاستراتيجي لتونس، حريصة على ألا تترك مجالها الحيوي يتحوّل إلى فراغ تتحرّك فيه أطراف خارجية بمعزل عن المنطق المغاربي.

لكن التصريحات اللافتة لم تقتصر على التوصيف، بل حملت أيضًا رؤية استباقية؛ إذ أشار عطّاف إلى أنّ ما بين تونس والجزائر ليس فقط تنسيقًا ظرفيًا، بل “تواصل دائم”، و”علاقة تعيش أبهى عصورها”، وهو توصيف سياسي عميق يُفهم في سياق انسجام العاصمتين حول قضايا متعددة، من ليبيا، إلى الساحل، إلى الموقف المبدئي من التطبيع، وصولًا إلى ملف الطاقة والربط الاقتصادي.

ومن منظور أوسع، فإن هذه الزيارة تفتح الباب أمام تساؤل مركزي: هل يمكن للعلاقة الثنائية بين الجزائر وتونس أن تكون نواة فعل إقليمي أوسع؟ وهل تؤسس لمفهوم واقعي جديد للأمن المغاربي بعيدًا عن العناوين الكبرى التي ظلّت معلّقة منذ عقود؟

الإجابة ربما تبدأ من مدى قدرة البلدين على تفعيل ما يُتفق عليه على المستوى السياسي، وتحويله إلى مشاريع ملموسة على الأرض، تمسّ حياة الشعوب وتحصّنها أمام الاضطرابات.

وفي ظل هذا المناخ الدولي القاتم، تبدو تونس والجزائر مطالبتين، أكثر من أي وقت مضى، بأن تُحوّلا “الخندق الواحد” من مجاز سياسي إلى أرضية استراتيجية مشتركة، تحمي مصالحهما وتصوغ مستقبلًا مغاربيًا أقل هشاشة، وأكثر استقلالًا.


مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


زر الذهاب إلى الأعلى
Skip to content