
يبدو أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب يعيش في عالمه الخاص، عالم لا تحكمه قواعد السياسة التقليدية، بل تحكمه رؤى الليل التي يفسرها بنفسه عند طلوع النهار، ويجعل منها قرارات ومواقف تهز العالم، كأنها أوامر فرعونية لا تحتمل النقاش ولا التعديل. رجل يكتب التاريخ بقلمه وحده، لكنه ينسى أن للتاريخ ذاكرة لا ترحم!
ما يقوله ترامب في الليل، يراه أتباعه حلمًا عظيمًا، لكنه في الصباح يصبح كابوسًا يطارد العالم. قراراته تتأرجح بين المفاجأة والتهور، بين الإبهار والعبث، كأنه قائد أوركسترا يغير النوتة الموسيقية كل لحظة، فلا يعرف العازفون كيف يتبعونه، ولا يعرف الجمهور هل يصفق أم يغادر المسرح.
فرعون العصر؟
ربما لا نبالغ إذا قلنا إن ترامب يعيش إحساسًا فرعونيًا بالعظمة، فهو يرى نفسه المخلِّص، صانع المعجزات، الرجل الذي لا يخطئ، والذي يلتف حوله الملايين كما كان يفعل المصريون القدماء حول عرش فرعون. لكنه ينسى أن فرعون لم يكن خالدًا، وأن التاريخ يعيد نفسه ولكن بأشكال مختلفة.
لكن الغرق هذه المرة لن يكون في اليم،بل في وحل من الجنون السياسي، من الانفصال عن الواقع، من التمرد على كل القوانين والمواثيق. إنه الغرق في الإحساس بالقدرة المطلقة، وهو النوع الأخطر، لأنه يجعل صاحبه يرى نفسه فوق الجميع، حتى فوق الحقائق نفسها.
هل يقترب من النهاية؟
التاريخ يخبرنا أن كل من ظن نفسه فوق القانون، انتهى به الأمر إلى السقوط المدوي. والغرور السياسي قد يكون مثل الرمل المتحرك، كلما ظن الشخص أنه يسيطر، ازداد غرقًا دون أن يشعر. ربما ترامب يعتقد أنه قادر على العودة، على تغيير مجرى الأمور لصالحه، لكن حتى أكثر الحالمين جنونًا لا يستطيعون الهروب من لحظة الحقيقة.
في النهاية، الحلم الذي يفسره ترامب في النهار قد يتحول إلى كابوس لا يستطيع أحد أن يستيقظ منه، وربما حينها سيدرك الجميع أن الغرق في الأوهام أخطر بكثير من الغرق في المحيطات.
بسّام عوده. _ شؤون عربية