
كتب : بسّام عودة
في صراعات كثيرة حول العالم، لم تكن الولايات المتحدة يومًا وسيطًا نزيهًا ولا حكمًا محايدًا. تدخلها السريع لفرض وقف إطلاق النار لا يحدث حين تتصاعد الخسائر البشرية، بل حين يبدأ أحد حلفائها في التراجع أمام خصم إقليمي أو دولي. هذا ما حدث في أكثر من حرب، وآخرها ما شهدناه في إحدى جولات النزاع بين الهند وباكستان.
عندما بدأ ميزان المعركة يميل لصالح باكستان، قفزت واشنطن فجأة إلى الواجهة، رافعةً شعار “التهدئة” و”ضبط النفس”، مطالبةً الجميع بوقف النار، تحت لافتة الوساطة والحرص على السلم الإقليمي. لكن هذا الحرص لم يظهر حين كانت الهند في موقع القوة أو القصف، بل برز فقط عند شعورها بأن حليفها مهدد سياسيًا وعسكريًا.
الهند بالنسبة للولايات المتحدة ليست مجرد شريك تقليدي، بل حليف استراتيجي في مشروع أكبر لاحتواء الصين، وبناء محور إقليمي منافس لقوى أوراسيا الصاعدة. وأي هزيمة هندية أمام باكستان تُفسد هذه المعادلة. لذا كان لا بد من التدخّل.
المعادلة التي تعتمدها واشنطن في تدخلاتها واضحة وبسيطة: حين يكون الحليف منتصرًا، فلتستمر المعركة حتى النهاية؛ وحين يتعرض للهزيمة، تصبح “الوساطة” واجبًا إنسانيًا! هذه الازدواجية ليست حالة عرضية، بل منهج مستقر في سلوك القوة العظمى منذ عقود.
نراها في فلسطين ولبنان، كما رأيناها في سوريا وأفغانستان، وفي دعمها اللامحدود لكييف مقابل دعوات التهدئة عندما تبدأ روسيا بتحقيق تقدم ميداني. إنسانية واشنطن لا تُستدعى إلا لحماية مصالحها، أو وقف تمدد خصومها، لا أكثر.
في خضم كل هذا، يبقى على الإعلام والنخب السياسية في دول العالم غير المتحالف مع واشنطن، أن تفكك هذا الخطاب، وأن تكشف زيف دور الوسيط الأمريكي الذي لا يعمل من أجل السلام، بل من أجل إعادة ترتيب الخسائر لصالحه فقط
إن العالم أحوج ما يكون اليوم إلى وساطات حقيقية تُعلي من شأن القانون الدولي، وتحترم مبدأ السيادة وتوازن القوى، لا أن تُوظف كأدوات لحماية مشروع أحادي القطب.
ما تفعله الولايات المتحدة في ساحات النزاع لا يُعيد الأمن، بل يعيد ترتيب خريطة النفوذ، ويحوّل الوساطة من جسر للسلام إلى وسيلة لإعادة تدوير الهيمنة.
وهنا، تقع المسؤولية على الشعوب الحرة والدبلوماسية متعددة الأقطاب، في أن تفرض خطابًا جديدًا للسلام، لا يكون مرتهنًا بميزان الربح والخسارة في عيون واشنطن