بسّام عوده _ شؤون ثقافية
تونس، تلك الأرض التي تنبض بروح الحضارات المتعاقبة، كانت وما زالت منارة للفنون والثقافة في العالم العربي والإسلامي. منذ عصور قديمة، حظي فن الخط العربي في تونس بمكانة خاصة، حيث عكست المخطوطات التونسية جمال الحرف وتفرده، وارتقت لتكون شاهداً على رقي حضاري لا يزول. في مكتباتها الزاخرة، وبين جدران مساجدها ومعاهدها العلمية، تُروى حكايات من الإبداع والحكمة، بدءاً من العهد الأغلبي مروراً بالعهد الحفصي وصولاً إلى الحقبة الحديثة.
المخطوطات التونسية ليست مجرد نصوص مكتوبة؛ بل هي لوحات فنية نُقشت بريشة الخطاطين المهرة وزُينت بزخارف تعكس عمق التأثيرات الثقافية التي مرت بها البلاد. من جامع الزيتونة المعمور إلى القيروان، المدينة التي احتضنت أقدم مخطوطة قرآنية، كان لفن الخط دوره في صياغة الهوية الوطنية التونسية.
وعلى خطى هذا الإرث العظيم، تأسس المركز الوطني لفنون الخط في تونس قبل ثلاثة عقود في قلب المدينة العتيقة، ليكون حارساً لهذه الفنون الراقية وراعيًا للأجيال المقبلة. خلال زيارتنا للمركز، الذي يختبئ بين أزقة ضيقة وأقواس معمارية تحكي التاريخ، كان لنا لقاء مع الأستاذ ياسين المقراني، مدير المركز. تحدّث إلينا عن دور المركز في الحفاظ على هذا الإرث وتعليمه، وعن الآفاق المستقبلية لنشر ثقافة الخط بين الشباب.
المدينة العتيقة، بمقر المركز الوطني، تحمل بين أزقتها قصصاً عن حضارات بُنيت على العلم والجمال. على مقربة من منزل ابن خلدون، مؤسس علم الاجتماع، بدا واضحاً كيف تمازجت الفنون والفكر لتشكّل نسيجاً فريداً يعكس خصوصية الحياة الثقافية والاجتماعية في تونس. هنا، يصبح المركز أكثر من مجرد فضاء لتعليم الخط، بل رمزًا للحفاظ على الهوية التونسية وإحياء الجماليات الكامنة في الحرف العربي.
رسالتنا إلى أهل الاختصاص والجهات المعنية أن هذا المركز ليس فقط إرثًا ثقافيًا، بل مكسبٌ حضاريٌ يربط الماضي بالحاضر، ويشكل جسراً يعبُر بالأجيال المقبلة نحو إتقان هذا الفن العظيم.