
تُعد مناسبة القرقيعان”إحدى أبرز العادات الرمضانية العريقة التي تجمع دول الخليج العربي، مع اختلافات طفيفة في التسميات والتفاصيل بين المناطق. وفي الكويت، تحتفل الأسر بهذه المناسبة ليلتي 14 و15 رمضان، حيث تُجسِّد طقوسها قيماً اجتماعية وثقافية توارثتها الأجيال، لتصبح جزءاً لا يتجزأ من هوية الشعب الكويتي خلال الشهر الفضيل
أصل التسمية والتاريخ
يرجع اسم “القرقيعان” – وفقاً للمؤرخين – إلى كلمة قرع في إشارة إلى صوت الطبول التي كان الأطفال يقرعونها أثناء تجوالهم بين الأحياء. وتزامن الاحتفال مع منتصف رمضان، حيث يُكتمل البدر، مما يسهل حركة الصغار ليلاً لجمع الحلوى والمكسرات من الأهالي.
طقوس الاحتفال
مع حلول المساء، يخرج الأطفال – منفصلين عن بعضهم بحسب الجنس – في مجموعات يرتدون الأزياء الشعبية الملوَّنة، حاملين أكياساً قماشية بسيطة، ويرددون أهازيجَ شعبيةَ خاصة بالمناسبة، مثل: “قرقيعان وقرقيعان.. عادت عليكم صيام.. عساكم من عواده.. يا الله تردونه أعوام”

وتحرص العائلات على توزيع القرقيعانة”– وهي مزيج من المكسرات كالفول السوداني، والحلوى، وأحياناً قطع نقدية معدنية – في جوٍّ مفعم بالبهجة، يعكس روح الكرم والتضامن المجتمعي.
ديناميكيات اجتماعية وذكريات
كان الاحتفال ينطوي على تفاعلات اجتماعية مميزة؛ فالفِتيات يقتصر تجوالهن على محيط منازلهن ضمن حدود الفريج”(الحارة)، بينما يتجول الأولاد في مناطق أوسع، مما يعرِّضهم أحياناً لمناوشات مع أقرانهم من الأحياء المجاورة، كسرقة الأكياس أو تمزيقها في إطار من التنافس البريء الذي يضفي على المناسبة طابعاً مرحاً. ورغم بساطة المُقدَّمات، كانت السعادة تغمر الأطفال بتفاصيل بسيطة مثل جمع الحلوى أو الفوز بقطع نقدية.

من الماضي إلى الحاضر
شهدت طقوس القرقيعان تحولات مع تغير الزمن، حيث دخلت عناصر حديثة مثل الأكياس المزخرفة والأزياء المبتكرة، إلا أن الجوهر المجتمعي بقي صامداً. فأصبحت الجهات الرسمية والمؤسسات الخاصة تنظم فعاليات ضخمة للقرقيعان، مع الحفاظ على الهوية التراثية عبر الأهازيج التقليدية وتقديم الهدايا الرمزية. ورغم تطور المواد المُقدَّمة لتشمل ألعاباً إلكترونية أو هدايا مالية، تبقى القيمة المعنوية للمناسبة هي الأهم، كجسر بين الأجيال.
إرث ثقافي مستمر
لا يزال القرقيعان رمزاً للبهجة الرمضانية في الكويت، يؤكد تمسك المجتمع بتراثه رغم رياح التحديث. فالأطفال اليوم – وإن اختلفت أدواتهم – يحملون نفس الحماس الذي حمله أجدادهم، بينما تحرص العائلات على غرس قيم المشاركة والفرح البسيط في نفوس الصغار، مما يجعل هذه المناسبة لبنة في صرح الهوية الكويتية التي تحترم ماضيها دون أن تفصل حاضرها عنه