
نظّمت سفارة جمهورية إندونيسيا في تونس، يوم الجمعة 5 أبريل 2025، محاضرة عامة تحت عنوان “وثيقة المدينة المنورة: ثروة إسلامية مهمشة”. وألقت المحاضرة الأستاذة الدكتورة ناجية الوريمي بوعجيلة، الباحثة المتخصصة في الفكر الإسلامي من مؤسسة بيت الهمة، بحضور نخبة من المثقفين والدبلوماسيين والمهتمين بالشأن الحضاري الإسلامي.
وفي كلمته الافتتاحية، أكد السفير الإندونيسي في تونس، السيد زهيري مصراوي، أن وثيقة المدينة المنورة تمثل كنزًا حضاريًا وفكريًا مهمًا في التراث الإسلامي، حيث شكّلت مصدر إلهام لصياغة فلسفة البانتشاسيلا التي تُعدّ الأساس الأيديولوجي لدولة إندونيسيا الحديثة. وأضاف أن الوثيقة، بما تحمله من قيم التعدد والتعايش والوحدة، ألهمت العديد من المبادئ الدستورية الإندونيسية، مثل دستور 1945، وشعار بهينيكا تونجال إيكا (الوحدة في التنوع)، وأساس الدولة الموحدة لجمهورية إندونيسيا.
وقال السفير، المولود في سومينيب – مادورا، إن أهمية الوثيقة تتجلى في كونها مرجعية فكرية للفلسفة السياسية والدستورية الحديثة، مشيدًا بجهود الدكتورة الوريمي في تسليط الضوء على هذه الوثيقة التاريخية التي لا تزال ملهمة للشعوب الإسلامية في زمننا الراهن.

من جهتها، عبّرت الدكتورة ناجية الوريمي بوعجيلة عن تقديرها لهذه المبادرة من السفارة الإندونيسية، مشيرة إلى أن وثيقة المدينة تمثل نموذجًا مبكرًا للتعايش السلمي وبناء عقد اجتماعي بين مختلف المكونات المجتمعية. وأكدت أن الوثيقة، رغم قِدمها، تظل ذات راهنية في تعزيز قيم المواطنة والعيش المشترك في الدول المتعددة الثقافات والأديان.
⸻
يحمل هذا الحدث دلالات عميقة تتجاوز البعد الأكاديمي أو الدبلوماسي، فهو يكشف عن وعي إندونيسي رسمي وجامعي بأهمية إعادة قراءة التاريخ الإسلامي ليس كتراث ساكن، بل كمصدر إلهام متجدد لبناء الدولة الحديثة على أسس التعدد والعدل والمواطنة

وثيقة المدينة، التي تُعدّ من أقدم النصوص الدستورية في التاريخ، قدّمت نموذجًا أوليًا للتنظيم المدني والسياسي في مجتمع متعدد المكونات، حيث ضمت المسلمين واليهود ومختلف القبائل تحت عقد واحد يضمن الحقوق والواجبات ويؤسس للتكافل والسلم الداخلي. هذه الرؤية تتقاطع بوضوح مع المبادئ التي تقوم عليها الدولة الإندونيسية، مما يجعل من تجربة إندونيسيا واحدة من أبرز النماذج الإسلامية المعاصرة في توطين القيم الإسلامية في بناء الدولة.
إن استدعاء وثيقة المدينة اليوم، واعتبارها “ثروة مهمشة”، يعكس حاجة ملحة لدى المجتمعات الإسلامية لإعادة النظر في مرجعياتها السياسية والفكرية خارج السياقات التقليدية. كما أن تفاعل سفارات مثل السفارة الإندونيسية مع هذا الخطاب يدل على انفتاح دبلوماسي وثقافي يُحسن توظيف الرموز الإسلامية في تعزيز قيم التعايش والاندماج، وهو ما يبعث برسائل حضارية مهمة للعالم الإسلامي وللدول المضيفة على حد سواء
بسّام عوده. _ شؤون عربية