الدبلوماسيةالسعوديةالعالم العربي

السعودية وسوريا: دبلوماسية جديدة نحو إنهاء العزلة وإعادة الإعمار

كتب : بسّام عوده. شؤون عربية 

تُشكل زيارة وزير الخارجية السعودي، الأمير فيصل بن فرحان، إلى دمشق محطة مهمة في مسار العلاقات العربية-السورية، وتعكس توجهًا سعوديًا واضحًا نحو تعزيز الانخراط الدبلوماسي في الملف السوري. إذ تأتي هذه الزيارة في سياق الجهود المستمرة التي تبذلها المملكة العربية السعودية لدعم استقرار سوريا، والسعي إلى رفع العقوبات الدولية المفروضة عليها، بما يساهم في تخفيف معاناة الشعب السوري وتهيئة الظروف لعودة دمشق إلى دورها الطبيعي في المنطقة.

السعودية ودورها في الملف السوري

لطالما لعبت السعودية دورًا بارزًا في القضايا الإقليمية، حيث عملت على تعزيز الاستقرار في الشرق الأوسط عبر نهج دبلوماسي يعتمد على الحوار والتوافقات السياسية. وفيما يتعلق بالملف السوري، تبنت المملكة في السنوات الأخيرة مقاربة أكثر انفتاحًا، حيث قادت جهودًا عربية لإعادة دمج سوريا في محيطها الإقليمي، بدءًا من عودتها إلى جامعة الدول العربية، وصولًا إلى بحث سبل رفع العقوبات عنها.

تتمثل رؤية السعودية في أن تحقيق الاستقرار في سوريا يتطلب إنهاء عزلتها الدولية، وفتح المجال أمام مشاريع إعادة الإعمار والتنمية، ما يضمن عودة تدريجية للحياة الطبيعية، ويمنح الشعب السوري فرصًا جديدة للنهوض بعد أكثر من عقد من الصراع.

رفع العقوبات: بين التحديات والفرص

أشار الأمير فيصل بن فرحان خلال زيارته إلى أن المملكة تجري محادثات مع الولايات المتحدة وأوروبا لبحث إمكانية رفع العقوبات عن سوريا. هذه الخطوة تعكس توجهًا سعوديًا نحو إعادة هيكلة العلاقات السورية مع الغرب، وهو ما قد يفتح المجال أمام دمشق للاستفادة من الاستثمارات الدولية والمساعدات التنموية، التي تعرقلها العقوبات المفروضة بموجب قوانين مثل “قانون قيصر”.

لكن في المقابل، فإن رفع العقوبات يواجه تحديات، إذ لا تزال بعض الدول الغربية تربط هذا الإجراء بإصلاحات سياسية داخلية، وضمانات تتعلق بحقوق الإنسان والعملية السياسية في سوريا. ومع ذلك، فإن تحركات السعودية قد تساهم في تحقيق نوع من التوازن، بحيث يتم التوصل إلى صيغة تضمن التخفيف من وطأة العقوبات، مع الحفاظ على مسار سياسي مقبول دوليًا.

لقاء أحمد الشرع: مرحلة جديدة في العلاقات الثنائية

لقاء بن فرحان مع قائد الإدارة السورية الجديدة، أحمد الشرع، يعكس اهتمام السعودية بتطوير التعاون المباشر مع دمشق. هذا اللقاء يضع إطارًا جديدًا للعلاقات الثنائية، حيث تم بحث قضايا إعادة الإعمار والتنمية الاقتصادية، إضافة إلى سبل تعزيز العلاقات بين المؤسسات الرسمية في البلدين.

من المرجح أن يشكل هذا التقارب السعودي-السوري خطوة نحو تعزيز التعاون الاقتصادي والاستثماري، إذ يمكن للسعودية أن تلعب دورًا رئيسيًا في تمويل مشاريع إعادة الإعمار، والمساهمة في إعادة تأهيل البنية التحتية السورية، خصوصًا في قطاعات مثل الطاقة، الإسكان، والخدمات الأساسية.

التداعيات الإقليمية والدولية

تحمل هذه التحركات السعودية أبعادًا أوسع تمتد إلى المشهد الإقليمي والدولي. فمن جهة، تسعى المملكة إلى تعزيز الدور العربي في معالجة الملف السوري، وتقليل الاعتماد على القوى الخارجية. ومن جهة أخرى، يمكن أن تسهم هذه الخطوة في تخفيف التوترات الإقليمية، خاصة مع دول مثل إيران وتركيا، اللتين تمتلكان نفوذًا كبيرًا في الساحة السورية.

أما على المستوى الدولي، فإن انخراط السعودية في هذا المسار يمنحها دورًا محوريًا في أي تسوية سياسية مستقبلية، حيث يمكنها أن تكون وسيطًا بين دمشق والغرب، مما يعزز مكانتها كقوة دبلوماسية فاعلة في قضايا المنطقة.

زيارة الأمير فيصل بن فرحان إلى دمشق خطوة استراتيجية في إطار إعادة تشكيل العلاقات العربية-السورية، حيث تؤكد المملكة التزامها بدعم استقرار سوريا والعمل على رفع العقوبات المفروضة عليها. ومع استمرار هذه الجهود، يبقى التحدي الأكبر هو تحقيق توازن بين إعادة دمج سوريا في النظام الإقليمي والدولي، وضمان حلول مستدامة تُنهي أزمتها السياسية والاقتصادية. ما هو واضح حتى الآن، أن السعودية عازمة على لعب دور رئيسي في صياغة مستقبل سوريا، في مرحلة جديدة قد تحمل تحولات مهمة في المشهد الإقليمي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


زر الذهاب إلى الأعلى
Skip to content