
يقدم كتاب “التجربة السعودية: رؤية المملكة واستشراف المستقبل” للباحث د. محمد صادق إسماعيل تحليلًا معمقًا لدور الدبلوماسية السعودية في عهد الملك سلمان وولي العهد الأمير محمد بن سلمان، موضحًا كيفية تطورها لمواكبة المتغيرات العالمية وتعزيز مكانة المملكة على المستويين الإقليمي والدولي.
مرتكزات الدبلوماسية السعودية
يرى المؤلف أن السياسة الخارجية السعودية تستند إلى مجموعة من الثوابت الجغرافية والتاريخية والدينية والاقتصادية، معتمدة على مبادئ عدم التدخل في شؤون الدول الأخرى، تعزيز العلاقات الخليجية والعربية والإسلامية، وتنمية التعاون مع القوى الدولية الكبرى. ويمثل ذلك انعكاسًا لرؤية المملكة الهادفة إلى تحقيق التوازن والاستقرار في المنطقة والعالم.
الدور الخليجي والعربي
يشير الكتاب إلى أن الدبلوماسية السعودية أدت دورًا رئيسيًا في توحيد الصف الخليجي، كما تجلى في قمة العلا التي أسست لمصالحة خليجية عززت من تماسك دول مجلس التعاون. إضافةً إلى ذلك، كانت السعودية فاعلة في القضايا العربية، حيث دعمت القضية الفلسطينية في مختلف المحافل الدولية، وسعت لتقديم حلول للأزمات في ليبيا وسوريا واليمن، من خلال نهج دبلوماسي قائم على الحوار والوساطة الفعالة. كما ساهمت قمة جدة، التي جمعت قادة المنطقة بالرئيس الأمريكي جو بايدن، في تعزيز الشراكات الاستراتيجية على المستوى العربي.
التفاعل مع القوى العالمية
يسلط المؤلف الضوء على السياسة الخارجية السعودية تجاه القوى الكبرى، حيث أقامت المملكة علاقات متوازنة مع الولايات المتحدة، روسيا، الصين، والاتحاد الأوروبي، مرتكزةً على المصالح المشتركة والحوار البناء. كما برز دور المملكة في الوساطة الدولية، من خلال طرحها مبادرات لحل الأزمة الروسية الأوكرانية بطرق سلمية، وهو ما يعكس نهجها القائم على دعم الأمن والاستقرار العالميين.
الدبلوماسية الاقتصادية والتنموية
لم تقتصر الدبلوماسية السعودية على الجوانب السياسية، بل لعبت دورًا محوريًا في تعزيز الاقتصاد الوطني والانخراط في الاقتصاد العالمي. فقد شهدت المملكة، في عهد الملك سلمان وولي العهد، نموًا اقتصاديًا ملحوظًا جعلها في طليعة الاقتصادات العربية، بفضل استثماراتها الواسعة وسياساتها الاقتصادية الطموحة. كما نجحت في مواجهة التحديات الاقتصادية العالمية، مثل تداعيات جائحة كوفيد-19، والأزمة الروسية الأوكرانية، من خلال استراتيجيات مرنة تضمن استقرار الأسواق وتحقيق التنمية المستدامة.
البعد الإنساني والدولي
يبرز الكتاب أيضًا البعد الإنساني في الدبلوماسية السعودية، حيث سعت المملكة إلى دعم التضامن الإسلامي وتعزيز التعاون بين الدول الإسلامية، خاصة عبر تطوير منظمة التعاون الإسلامي، والمساهمة في حل المشكلات التي تواجه العالم الإسلامي. كما كرست جهودها للدفاع عن القضايا الإسلامية والعربية في المحافل الدولية، مع تقديم نموذج حضاري يعكس سماحة الإسلام وقيمه.
الكتاب في المجمل، يقدم “التجربة السعودية: رؤية المملكة واستشراف المستقبل” رؤية شاملة للدبلوماسية السعودية الحديثة، التي تمكنت من الجمع بين التوازن السياسي، الحضور الفاعل في الأزمات، والنمو الاقتصادي، مما جعل المملكة لاعبًا رئيسيًا في الساحة الدولية. ويوضح الكتاب كيف استطاعت القيادة السعودية ترسيخ نموذج دبلوماسي مرن وفعال، يعزز من الاستقرار الإقليمي والدولي، ويمهد لمستقبل أكثر إشراقًا للمملكة في النظام العالمي الجديد
بسّام عودة. _ شؤون عربية