كتب : بسّام عياصرة _ تونس
فوز الإخوان المسلمين في الانتخابات الأردنية شكل حدثًا بارزًا يستدعي التوقف عنده، حيث أتى صعودهم إلى البرلمان عبر صناديق الاقتراع بمثابة مفاجأة للكثيرين، خصوصًا أولئك الذين كانوا يرون في بعض الأحزاب الناشئة قادرة على تحقيق نتائج أفضل. هذا الحدث لم يمر دون إثارة تساؤلات حول قدرة بعض الجهات في الدولة الأردنية – سياسياً وأمنياً – على استيعاب الواقع السياسي المتغير والتعامل معه بكفاءة.
لقد جاءت هذه النتائج لتشكل اختبارًا للنخب السياسية، حيث أن فوز الإخوان يضع ضغوطًا على الجهات التي كانت ترى أن الأحزاب الوليدة بإمكانها إحداث تأثير حقيقي. فالواضح أن الإخوان المسلمين تمكنوا من الوصول إلى البرلمان بناءً على اختيار شعبي يعبر عن تفضيلات شريحة واسعة من الأردنيين، مما يشير إلى وجود حاجة ماسة إلى إعادة النظر في السياسات الحالية واستبدال الكوادر السياسية بأخرى أكثر قدرة على التعامل مع هذا الواقع الجديد وتحدياته.
على الصعيد الأمني، يُلمح إلى وجود إزعاجٍ سياسي ناتج عن صعود الإخوان، وهو ما قد يشير الى تغيير المعادلة السياسية. إلا أن الدولة الأردنية تعاملت مع هذا الواقع بحنكة، حيث حرصت على عدم التدخل في مجريات العملية الانتخابية وأعلنت النتائج بشفافية، مما يعكس التزامًا راسخًا بالحفاظ على نزاهة المؤسسات الأمنية والسياسية. هذه الخطوة توضح أن الأردن ملتزم بالتعامل مع القوى السياسية المتنوعة بطريقة شفافة وقانونية، مما يحد من المخاطر التي قد تواجه استقراره.
الشعب الأردني أثبت أنه واعٍ ومدرك للواقع، فهو لم ينجرّ وراء الدعاية السلبية التي تسعى لفصله عن هويته الدينية والوطنية. بل أن خياراته في الانتخابات جاءت تعبيرًا عن فهم عميق للواقع وتطلعاته، محافظًا على تقاليده التي تتجلى بوضوح في تأثير البادية الأردنية التي شكلت مواقف انتخابية حكيمة وهادئة.
رسالة الدولة الأردنية جاءت واضحة: رغم التحديات السياسية والأمنية التي يمثلها صعود الإخوان، فإن الأردن يسير بخطى ثابتة نحو الحفاظ على استقراره وسيادته. من خلال التزامه بحرية الانتخابات وعدم التدخل في النتائج، يعكس الأردن نضجًا سياسيًا واستعدادًا لمواجهة المتغيرات السياسية بحكمة، دون اللجوء إلى القمع أو إقصاء القوى المعارضة.
على الصعيد الدولي، نزاهة الانتخابات تعزز من مكانة الأردن في الساحة العالمية، خصوصًا مع الدول الغربية والمؤسسات الدولية التي تدعم الديمقراطية وحقوق الإنسان. هذا الالتزام بالمعايير الديمقراطية يعزز الثقة في قدرة الأردن على التكيف مع المتغيرات السياسية الداخلية، ويزيد من فرص دعمه ماليًا وسياسيًا في ظل الظروف الاقتصادية التي يمر بها.
السماح بحرية الانتخاب دون تدخل يعكس أيضًا ثقة الدولة في استقرارها وقدرتها للحفاظ على توازن سياسي حتى مع صعود قوى معارضة مثل الإخوان ، يظهر أن هناك إيمانًا بأن هذه القوى، مهما بلغت من القوة الشعبية، لن تكون قادرة على زعزعة الاستقرار العام للدولة.
إن القرار بالسماح بحرية الانتخابات دون تدخل يعكس رؤية إستراتيجية متعددة الأبعاد. إنه جزء من مسار أوسع لتجنب الاحتقان السياسي وتقديم صورة إيجابية عن الإصلاح الديمقراطي في الأردن. كما يعزز هذا القرار من دور الدولة في حماية مؤسساتها وسيادتها، ويتيح للشعب الأردني التعبير عن إرادته بحرية، مما يجعل الأردن نموذجًا يحتذى به في المنطقة.