العالمالعالم العربيالكويت

ازدواجية المعايير في السياسة الأمريكية: تجاهل التضحيات الكويتية وتضخيم الدور الأمريكي

كتب : بسّام عوده 

تصريحات وزير التجارة الأمريكي هوارد لاتنيك تعكس نمطًا متكررًا في السياسة الخارجية الأمريكية، حيث يُعاد إنتاج السرديات بشكل انتقائي بما يخدم المصالح الأمريكية دون مراعاة للحقائق التاريخية أو التزامات الحلفاء. إن الادعاء بأن الولايات المتحدة أنفقت 100 مليار دولار لتحرير الكويت دون الإشارة إلى المساهمات الضخمة التي قدمتها دول أخرى، وعلى رأسها الكويت نفسها، يُظهر تجاهلًا متعمدًا للأدوار الإقليمية والدولية التي ساهمت في إنهاء الاحتلال العراقي عام 1991.

الولايات المتحدة، التي طالما سعت إلى تقديم نفسها كحامية للاستقرار في المنطقة، لم تخض حرب الخليج من باب المروءة أو المبادئ، بل استغلت الأزمة لتعزيز نفوذها الاستراتيجي والاقتصادي. لقد كانت الحرب فرصة ذهبية لتجربة الأسلحة الأمريكية على أرض الواقع، وتعزيز صادرات السلاح، وترسيخ وجودها العسكري طويل الأمد في الخليج. إن الإشارة إلى تكلفة التحرير دون الاعتراف بالمكاسب السياسية والاقتصادية الهائلة التي حصدتها واشنطن يُعد تجاهلًا صارخًا لحقيقة أن الحرب لم تكن مجانية بالنسبة للكويت، بل كانت كارثية على بنيتها التحتية واقتصادها، ناهيك عن التداعيات الاجتماعية والبيئية التي استمرت لعقود.

من المفارقات أن ينتقد مسؤول أمريكي ارتفاع الرسوم الجمركية الكويتية، رغم أنها لا تتجاوز 5%، في حين أن الولايات المتحدة نفسها مارست سياسات حمائية صارمة خلال إدارة ترامب، وفرضت تعريفات جمركية عالية على الصين وكندا والاتحاد الأوروبي. هذا التناقض في الموقف يعكس أسلوبًا استعلائيًا في التعامل مع الحلفاء، حيث يُطلب منهم تقديم تنازلات تجارية واقتصادية لصالح واشنطن، دون أن يكون هناك أي التزام أمريكي مماثل تجاههم.

تصريحات لاتنيك ليست مجرد زلة لسان، بل هي امتداد لنهج أمريكي مستمر في إعادة صياغة التاريخ بما يتناسب مع مصالحها الراهنة. مثل هذه الخطابات لا تقتصر على الكويت، بل سبق أن تبنت واشنطن مواقف مماثلة تجاه العديد من حلفائها، حيث يتم تذكيرهم بشكل دوري بما “قدّمته” لهم الولايات المتحدة، بينما يتم تجاهل أو التقليل من حجم التضحيات التي بذلوها بأنفسهم. هذا الأسلوب في التعامل يعكس خللًا جوهريًا في السياسة الخارجية الأمريكية، حيث تُدار العلاقات وفق مبدأ المنفعة الآنية، لا وفق شراكة استراتيجية متوازنة.

في ضوء هذه السياسات، يبدو أن على الكويت، كغيرها من الدول الحليفة لواشنطن، أن تعتمد على استراتيجيات أكثر توازنًا في علاقاتها الدولية، بحيث لا تكون رهينة للرواية الأمريكية، ولا مُطالبة بتقديم تنازلات اقتصادية أو سياسية مقابل دعم يُصوَّر دائمًا وكأنه خدمة مجانية، بينما هو في الواقع جزء من حسابات المصالح الأمريكية البحتة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


زر الذهاب إلى الأعلى
Skip to content