العالمالعالم العربيثقافة وفنون

إهمال الفن في الأردن:  يهدد الابداع إزالة منحوتة غسان مفاضلة  في عجلون تكشف المستور 

كتب : بسّام عوده 

في مشهد يعكس واقع الإهمال الرسمي للفن والإبداع في الأردن، أقدمت بلدية عجلون على إزالة منحوتة الفنان غسان مفاضلة التي كانت تنتصب منذ عام 2013 في مدخل المدينة، وذلك بحجة تنفيذ مشروع «سوق ريف عجلون». هذه الخطوة، التي تمت دون استشارة الفنان أو البحث عن حلول تحفظ العمل الفني وتحترم قيمته الجمالية والتاريخية، تفتح الباب واسعًا أمام تساؤلات كبرى حول مصير الأعمال الفنية في الفضاءات العامة، ومدى التقدير الحقيقي الذي تحظى به من قبل الجهات المختصة.

استهتار بالمنجز الثقافي

إن التصرف الذي قامت به بلدية عجلون، ومن خلفها وزارة الثقافة، ليس مجرد قرار إداري يتعلق بتنظيم المساحات العامة، بل هو انعكاس لعقلية ترى في الفنون ترفًا يمكن الاستغناء عنه متى دعت الحاجة، دون اعتبار لقيمتها الرمزية والإبداعية. فكيف لمنحوتة تم إنجازها بتمويل رسمي ضمن مشروع مدينة الثقافة الأردنية، وحظيت بموافقة اللجان المختصة، أن تُزال دون أي حوار مع الفنان أو البحث عن بدائل تحفظها؟

الفنان غسان مفاضلة لم يكن مجرد منفذ لعمل نحتي، بل كان جزءًا من مشروع ثقافي وطني يعكس رؤية إبداعية تستلهم من طبيعة عجلون الطبوغرافية وتفاعلاتها البصرية. عمله، الذي يعتمد على التفاعل الحركي مع الرياح والتضاريس، لم يكن مجرد قطعة جامدة، بل تجربة فنية تجذب المتلقي وتشركه في تذوق الفن الحديث ضمن الفضاء العام.

مسؤولية وزير الثقافة وبلدية عجلون

ما حدث لا يمكن عزله عن مسؤولية وزارة الثقافة الأردنية، التي يُفترض أن تكون الحامية الأولى للإبداع الوطني، والتي كان يجب أن تتدخل للحفاظ على العمل أو نقله لموقع آخر يضمن له الاستمرارية. لكن الصمت الذي التزمته الوزارة، والردود البيروقراطية التي جاءت على لسان مسؤولي البلدية، تعكس بوضوح غياب أي استراتيجية واضحة لحماية الفنون العامة.

مدير منطقة عجلون، حمزة الصمادي، برّر إزالة المنحوتة بأنها «ضرورة» لتنفيذ مشروع اقتصادي يخدم المجتمع المحلي، بينما مدير ثقافة عجلون، سامر فريحات، ألقى بالمسؤولية على الفنان نفسه، معتبرًا أن موقع العمل لم يكن مناسبًا منذ البداية. وكأن المشكلة تتعلق بموقع المنحوتة فقط، وليس بمبدأ إزالة عمل فني دون أي احترام لمبدع أو للجمهور الذي كان يتفاعل معه.

ثقافة الإقصاء والإهمال

إزالة المنحوتة ليست حادثة معزولة، بل تأتي ضمن سلسلة من الإقصاءات والتجاهل الذي يطال الفنانين الأردنيين وأعمالهم. الأردن، الذي يفتخر بأنه موطن أقدم التماثيل المصنّعة في التاريخ البشري منذ 10 آلاف عام، يبدو اليوم غير مكترث بحماية منجزاته الحديثة. هذه المفارقة المؤلمة تعكس تدهورًا في مستوى الاهتمام بالثقافة والفنون، رغم كل الشعارات الرسمية التي تتغنى بدور الإبداع في التنمية.

هل هناك عبرة 

إذا كان هناك درس يجب استخلاصه من هذه الحادثة، فهو أن الفنان الأردني مطالب اليوم بالدفاع عن منجزه بنفسه، في ظل غياب المؤسسات التي يُفترض أن تحميه. كما أن المجتمع المحلي، بكل فئاته، يجب أن يكون أكثر وعيًا بقيمة الفنون في تشكيل الهوية الثقافية والحضارية للمدن.

الأسئلة التي يطرحها هذا الحدث يجب ألا تمر مرور الكرام: من يحدد مصير الأعمال الفنية في الفضاء العام؟ وما الآليات التي تضمن عدم تكرار مثل هذه الحوادث؟ وهل لدينا سياسة واضحة لحماية الفن في الأردن، أم أننا ما زلنا نتعامل معه كعنصر ثانوي يمكن إزالته متى اقتضت الحاجة؟

في النهاية، فإن المسؤولية تقع على عاتق وزارة الثقافة وبلدية عجلون، اللتين لم تحترما المنجز الفني ولم تراعيا أبسط معايير الحفاظ على الإبداع الوطني. وإذا لم يُفتح نقاش جاد حول هذه القضية، فسنجد أنفسنا أمام المزيد من الانتهاكات بحق الفنون، التي يجب أن تكون جزءًا أساسيًا من هوية المكان، لا مجرد ديكور يمكن التخلص منه وقتما نشاء

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى
Skip to content